2019/12/21

السياحة في الجزائر : مقوماتها ومعوقاتها


تعد السياحة أحد القطاعات الأكثر أهمية وديناميكية عبر العالم، فهي قادرة على جلب مداخيل هامة من العملة الصعبة وامتصاص البطالة وترقية مناطق بأكملها، ولهذا فمعظم الدول جعلت من هذا القطاع حجر أساس لاقتصادها الوطني، أين أصبح ناتجها الداخلي الخام يرتكز بشكل كبير على النشاط السياحي عبر مداخيل شبكاتها السياحية.
والجزائر بفضل موقعها المميز ومساحتها الشاسعة، تنفرد بمقومات طبيعية وحضرية جد متميزة، إذ سعت السلطات الجزائرية منذ الاستقلال إلى استغلال هذه الإمكانيات السياحية وتطويرها، إلا أنها لازالت تعاني العديد من المعوقات، الأمر الذي يتطلب السعي الجدي لتوفير بيئة سياحية ملائمة للنهوض بهذا القطاع الفعال الذي يعود بالنفع على الاقتصاد ككل. وبناء على ذلك يمكن طرح الإشكالية التالية:

ما مدى تطور السياحة في الجزائر؟ وفيما تبرز معوقاتها؟

مقومات السياحة في الجزائر

تتطلب التنمية السياحية توفر جملة من الشروط الموضوعية والأساسية انطلاقاً من المادة الخام (المواد السياحية)، والإمكانيات المادية والبشرية المسخرة لاستغلال تلك الموارد السياحية، والمتمثلة أساساً في: المعطيات الجغرافية كالمناظر الطبيعية من أماكن الراحة للترفيه كالجبال، الأنهار، الشواطئ، الغابات والصحاري، بالإضافة إلى الموارد التاريخية المعمارية (الآثار)، الدينية والصناعات التقليدية، الفلكلور، الفنون الشعبية، العادات والتقاليد.
الموقع الجغرافي: تقع الجزائر في الضفة الجنوبية الغربية لحوض المتوسط، تحتل مركزاً محورياً في المغرب العربي وإفريقيا، حيث تتمتع بواجهة بحرية تمتد على طول 1680 كم، تعتبر شرفة حقيقية على بالبحر المتوسط مكون من شواطئ رملية أو صخرية مرتفعة أو طرقات شطية (كورنيش)، كما يضم الشريط الساحلي الجزائري 14 ولاية بـ 548 شاطئ، بالإضافة إلى مركبات سياحية شيدها مهندسون ذوي شهرة عالمية مثل بويون وموريتي اللذان اندمجا طبيعياً في موقعهما ويؤكدان الإرادة على التطوير الدائم للشريط الساحلي.
  • الجزائر بلد التضاريس: تمتلك المتباينة الجزائر عدة أنواع من التضاريس المتباينة، حيث نجد في الشمال سهول التل (متيجة، وهران وعنابة)، ثم نجد حزام جبلي يحتوي على سلاسل جبلية (جبال شيليا 2328م بالأوراس، لالا خديجة بجرجرة 2308م، الونشريس، شنوة، بابور، البيبان والزيبان)، وهي تشمل غابات كثيفة وثروة نباتية هائلة مع ثروة حيوانية (القرد الشديم، الضبع، الخنزير البري...) مع سقوط الثلوج.
ونجد في الجنوب الأطلس الصحراوي الذي يحتوي على عدة واحات تتميز بغابات النخيل وكثبان رملية وهضاب صخرية وسهول حجرية، كما نجد منطقة الأهقار التي تتميز بجبالها الشاهقة أين أعلى قمة "تاهات" بارتفاع 2918م، بالإضافة إلى وجود بقايا حيوانية ونباتية شاهدة على وجود الحياة بهذه المنطقة منذ العصور القديمة والتي تعود إلى أكثر من 10 آلاف سنة.
كما تتمتع السياحة الجزائرية بمجموعة من الحظائر الوطنية بالقالة، جرجرة، بلزمت بباتنة وحظيرة الطاسيلي.
  • الحمامات المعدنية: تتمتع الجزائر بطاقات هائلة من المياه المعدنية الموزعة عبر التراب الوطني وتحصى رسمياً بـ 202 منبع معدني كونها قائمة على مواقع بونيقية مثل حمام المسخوطين، أو رومانية مثل حمام ريغة، والتي تجمع بين الصحة نظراً لخاصية المياه العلاجية والمتعة للموقع الخلاب في سفوح الجبال أو في البراري أو على أبواب الصحراء ومن أشهرها حمام الصالحين (بسكرة)، حمام بوحنيفية (معسكر)، شلالة (قالمة)، زلفانة (غرداية)، عين ورقة (جبال الأطلس الصحراوي)، حمام ملوان (البليدة)، بوغرارة (تلمسان)، بوحجر (عين تموشنت)، فضلاً عن فرص الاستثمار المتوفرة في الشريط الساحلي لإقامة مراكز للمعالجة بمياه البحر.
* المناخ: يتنوع المناخ في الجزائر إلى:
  • المناخ المتوسطي: يشمل المناطق الساحلية ذات درجات حرارة سنوية متوسطة تقدر بـ18مo خلال الفترة الممتدة من شهر أفريل إلى غاية شهر أكتوبر، وتبلغ ذروتها في جويلية وأوت بـ30مo.
  • المناخ شبه القاري: يسود في مناطق الهضاب العليا، ويتميز بموسم طويل بارد ورطب من شهر أكتوبر إلى شهر ماي، وتصل درجة الحرارة إلى أقل من الصفر، أما باقي الأشهر فيتميز بالحرارة والجفاف وتصل إلى 30مo.
  • المناخ الصحراوي: يسود في المناطق الجنوبية والواحات، يتميز بموسم طويل حار من شهر ماي إلى سبتمبر، حيث تصل درجة الحرارة إلى أكثر من 40مo، أما باقي الأشهر فتتميز بمناخ متوسطي ودافئ.

طالع ايضا : السياحة واللغة العربية

المقومات الثقافية

  • الفولكلور: تتنوع الموسيقى الجزائرية بتنوع الطبيعة فهي تختلف حسب المناطق، حيث تعرف العاصمة وما يجاورها بموسيقى الشعبي، كما توجد بهذه المنطقة وكذا عنابة وتلمسان الموسيقى الأندلسية والحوزي، أما الغرب الجزائري فنجد أغنية الراي ولعلاوي، أما منطقة القبائل فتستوحي نغمات الأورار من طبيعة المنطقة.
  • الصناعة التقليدية: تتوفر الجزائر على تراثا ثقافياً شعبياً، إذ يتمثل في إرث من العادات والتقاليد المحلية، ومنتجات متنوعة للصناعة التقليدية موزعة عبر كامل التراب الوطني، تكشف عن فن هو مزيج من المهارات ويخص عدة قطاعات كالنسيج المحلي، الخزف، الفخار، صناعة الخشب والنحاسيات، ومن بين فنون الصناعة التقليدية الأصلية تظهر الحلى الجزائرية التقليدية (ذهب وفضة).

عوائق الاستثمار السياحي في الجزائر

  • الفساد الإداري وغياب الشفافية: من بين المظاهر السلبية لانتشار البيروقراطية في جانب الاستثمار السياحي هو ظهور الفساد الإداري، حيث بلجأ المستثمر إلى الطرق غير القانونية كالرشوة والوساطة والمحسوبية لتسهيل الإجراءات والحصول على الخدمة.
  • تدهور الاستقرار الأمني: يلعب الاستقرار الأمني والسياسي دوراً مهماً وذا أثر فعلى على توافد الاستثمارات السياحية، فخلال التسعينيات عاشت الجزائر أزمة سياسية أثرت سلبياً على مكانة الجزائر الدولية، مما أدى إلى تصنيفها ضمن البلدان ذات درجة الخطر المرتفع، وهذا ما انعكس سلباً على توافد المستثمرين الأجانب للاستثمار فيها أو حتى زيارتها.
  • غياب التكتلات السياحية الدولية العربية: يجعل عدم انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة في وضعية تنافسية أقل مقارنة مع الدول المتقدمة لجلب الاستثمارات السياحية الأجنبية، إذ أن أكبر الدول استقطاباً للاستثمارات السياحية هي الدول المنضمة للمنظمة العالمية للتجارة.
  • ضعف الحوافز الموجهة للاستثمارات السياحية: نجد قانون الاستثمار الجزائري يقدم حوافز متنوعة بما فيها الحوافز الضريبية إلى جميع القطاعات الاستثمارية دون تحديد قطاعات بعينها، وبالتالي يفتقر إلى التفضيل فيما بينها، ومنها القطاع السياحي.
  • غياب الثقافة السياحية: تتطلب السياحة التعامل مع السياح بصدق وأدب، فضلاً عن الترحيب بهم لإعطاء الانطباع الحسن عن النفس أولاً وعن البلد كذلك، بالإضافة إلى تكوين فرص الاستفادة من التعارف الثقافي فيما بين الشعوب والاقتباس من ثقافة السياح، وحتى مظاهرهم وسلوكهم، مع التعامل بنوع من الحذر وبخطط حكيمة لحماية البلدان والشعوب من المظاهر المسيئة ثقافياً وعقائدياً.

الصفحة التالية